ولادة الطفل هي ولادة نفْس لا غرابة في ذلك ولا جدال ، ولعل تسمية عملية الولادة بالنّفاس من هذا المنطلق ، وخروج نفس من نفس من محطات توقف المفكرين المتدبرين ، وقوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة ربما هو النفس التي سواها ربي فهي صالحة للعمل الكوني بسلامة من الشر ، وحين كان الأبوان هما موجّها هذه النفس فالأمر إذن مثار الاهتمام منذ الولادة قطعاً ، لا ما سار عليه كثير من الناس أنْ ربطوا النفسية بالتمييز والإدراك ، وكم من بحث علمي ودراسة في عصرنا الحديث تكلمت عن طباع الأطفال نتيجة عوامل منزلية أو ظروف اجتماعية أو عوائق نفسية في الوالدين أو المحيطين ، وغالب الأطفال متأثر بضجيج أهله وصراخ والديه ومشكلات عائلته واقتصاديات مجتمعة منذ أيامه الأولى ولو أبينا أو أنكرنا ، بل إن النفس البشرية وهي لا تزال في ظلمات ثلاث في بطن الأم متأثرة باستقامة نفسية الأم أو انحرافها ، ففي نفوس الأطفال اكتئاب لمن فطِن ، وبداخلهم حزن لمن استفتى ، وفي أعينهم تساؤلات لمن راقب ذلك .وما أصعب مهمة من يبحث في نفوس الأطفال مابهم وماذا يريدون إذا سكن تلك النفوس ضرب من انفصام أوامر مع نواهي ، أو مفارقات أحكام ومعلومات مغلوطة أو مشتتة لا يرقب معطيها إلّاً ولا ذمة في طفل سيكون لما حدث معه غاية المردود حين يكبر .
وتعرض الأطفال لحوادث وخدوشات وتحرش ونحو ذلك هادمٌ نفسي عظيم لبناء نرجو منه صلابةً وامتداد عيش ، وكون الأطفال ضحايا حروب ونزاعات وفقر ومجاعة وانتشار أوبئة فخُذ من نفوس مشوهة معوجة ساخطة ما الله به عليم .
ومن يلاحظ علامات تغاير السلوك الطفولي المعتاد في أطفال اليوم ربما يهتدي لخفايا نفوس بالجمع أو الإفراد تسببنا نحن فيها إهمالاً وتقصيراً أو كذباً وافتراءً .
والأصل في نفوس الأطفال البراءة والسلامة من غرض سيّء ، ولذلك استثناهم ربنا فقال: أو الطّفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ، ولو لاحظنا ما يُمَد به أطفال اليوم من ظهور على عورات الكون لعرفنا شناعة الجريمة تجاه هذه النفوس ولو أخفت أو تخفّت أو خافت فأنكرت .
وما اليتيم ووصية الشرع تجاهه إلا من باب نفس يُخشى عليها من آثار فقْد ، وما الرَّضاع وأثره إلا مؤثراً في الطباع نفساً وتجربة حياة ، وما الحنان والحلم والرحمة إلا ثلاثةُ أثافيّ يقف عليها صندوق التنشئة النفسية شامخاً بقدرة الله تعالى . والله أعلم
#محمد_أحمد_بابا
#في_النفوس_خفايا_وعلامات